والذي في الشفاء: وقطع أبو جهل يوم بدر يد معوذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصقها فلصقت، رواه ابن وهب. انتهى.
قال ابن إسحاق: ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل فذكر ما سيأتي.
قال ابن إسحاق: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى، فالتمس أبا جهل فلم يجده، حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهم لا يعجزني فرعون هذه الأمة " (1). وقال صلى الله عليه وسلم: " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ وإن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان، وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به ". قال عبد الله بن مسعود: فأتيته فوجدته بآخر رمق فعرفته "، وكان مقنعا بالحديد، واضعا سيفه على فخذيه، ليس به جرح، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا وهو منكب ينظر إلى الأرض، فلما آره ابن مسعود طاف حوله ليقتله، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا، فأتاه من ورائه، قال: ومعي سيف رث ومعه سيف جيد، فجعلت أنقف رأسه بسيفي، وأذكر نتفا كان برأسي حتى ضعفت يده، فأخذت سيفه، فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة وفي رواية: لمن الدائرة؟ قلت: لله ورسوله، فأخذت بلحيته وقلت: الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله، وفي لفظ: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: بماذا أخزاني؟ قال: هل أعمد، وفي لفظ: هل عدا رجل قتلتموه. أو غير أكار قتلني، فرفعت سابغة البيضة عن قفاه، فضربته فوقع رأسه بين يديه، ثم سلبته. قال ابن عقبة: فلما نظر عبد الله إلى أبي جهل إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا وفي يديه وكفيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال: " ذلك ضرب الملائكة ".
قال ابن مسعود: ثم حززت رأسه، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله الذي لا إله إلا هو؟ " وفي لفظ: الذي لا إله غيره، فاستحلفني ثلاث مرات فألقيت رأسه بين يديه، فقال: " الحمد لله الذي أعز الاسلام وأهله "، ثلاث مرات، وخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا. وفي رواية: صلى ركعتين.
قال القاضي: إن ابن مسعود إنما جعل رجله على عنق أبي جهل ليصدق رؤياه، فإن ابن قتيبة ذكر أن أبا جهل قال لابن مسعود: لأقتلنك، فقال: والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك بنعلي، ولئن صدقت لأطأن رقبتك، ولأذبحنك ذبح الشاة.