يثرب لا مقام لكم فارجعوا) [الأحزاب 13] وهمت بنو قريظة بالإغارة على المدينة ليلا، فبلغ ذلك المسلمين، فعظم الخطب، واشتد البلاء، ثم كفهم الله تعالى عن ذلك لما بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة، ويظهرون التكبير، فإذا أصبحوا أمنوا.
واجتمعت جماعة من بني حارثة فبعثوا أوس بن قيظي - بالتحتية والظاء المعجمة المشالة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا، فنمنع ذرارينا ونساءنا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك وتهيأوا للانصراف.
قال محمد بن عمر: فبلغ سعد بن معاذ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: لا تأذن لهم، إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة قط إلا صنعوا هكذا، ثم أقبل عليهم فقال: يا بني حارثة، هذا لنا منكم أبدا، ما أصابنا وإياكم شدة إلا صنعتم هكذا. فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان المسلمون يتناوبون حراسة نبيهم، وكانوا في قر شديد وجوع، وكان ليلهم نهارا.
روى محمد بن عمر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة، ويقول: " ما أخشى أن يؤتى الناس إلا منها " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حضني قد دفئ وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة، فسمع صوت السلاح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من هذا؟ " فقال سعد بن أبي وقاص: سعد يا رسول الله، فقال: " عليك هذه الثلمة فاحرسها ". قالت: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت غطيله.
قال ابن سعد: وكان عباد بن بشر، والزبير بن العوام، على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى محمد بن عمر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخندق، وكنا في قر شديد، فإني لأنظر إليه ليلة قام فصلى ما شاء الله أن يصلي في قبته، ثم خرج فنظر ساعة فأسمعه يقول: " هذه خيل المشركين تطيق بالخندق "، ثم نادى عباد بن بشر، فقال عباد: لبيك! قال: " أمعك أحد؟ " قال: نعم، أنا في نفر من أصحابي حول قبتك.
قال: " انطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيل المشركين تطيف بكم، يطمعون أن يصيبوا منكم غرة، اللهم فادفع عنا شرهم، وانصرنا عليهم، وأغلبهم، فلا يغلبهم أحد غيرك ".
فخرج عباد في أصحابه فإذا هو بأبي سفيان بن حرب في خيل المشركين يطوفون بمضيق من الخندق، وقد نذر بهم المسلمون فرموهم بالحجارة والنبل، حتى أذلقهم المسلمون بالرمي،