وأمر كعب بن أسد حيي بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم. فبلغ عمر بن الخطاب خبر نقض بني قريظة العهد، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فبعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة وهما سيدا قومهما، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير - زاد محمد بن عمر: وأسيد بن حضير - فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا، فإن كان حقا فألحنوا إلي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد، فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، قبل أن يلتحم الامر، ولا يطيعوا حيي بن أخطب، فقال كعب: لا نرده أبدا، قد قطعته كما قطعت هذا القبال - لقبال نعله - وقال: من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ لا عهد بيننا وبينه. فشاتمهم سعد بن عبادة، كما قال ابن عقبة ومحمد بن عمر وابن عائذ وابن سعد - وقال ابن إسحاق: إنه سعد بن معاذ - وشاتموه وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد بن معاذ - أو سعد بن عبادة إن كان الأول سعد بن معاذ -: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. وقال أسيد بن حضير لكعب: أتسب سيدك يا عدو الله ما أنت له بكفء يا بن اليهودية، ولتولين قريش إن شاء الله منهزمين، وتتركك في عقر دارك فنسير إليك، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا. ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن عبادة: عضل والقارة، يعني كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع. وسكت الباقون، ثم جلسوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا يا معشر المؤمنين بنصر الله تعالى وعونه، إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكن كسرى وقيصر ولتنفقن أموالهم في سبيل الله. يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب. قال ابن عقبة:
ثم تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد، فاشتد الخوف وعظم البلاء، وخيف على الذراري والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر) [الأحزاب 10].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قبالة عدوهم، لا يستطيعون الزوال عن مكانهم، يعتقبون خندقهم يحرسونه.
ونجم النفاق من بعض المنافقين، فقال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر وأن أموالهما تنفق في سبيل الله، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [الأحزاب 12] وقال رجال ممن معه: (يا أهل