رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الآية، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان يومئذ أبيض.
قال ابن سعد: ولم تكن الرايات يومئذ. واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار، فأقاموا على ذلك خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأن لهم النساء والذرية، فأمر بهم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، بفتح السين المهملة واللام. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله تعالى ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الرجال، فقام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه، وكان يقال لها: ذات الفضول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ويحك أرسلني "، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني، قال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال صلى الله عليه وسلم:
" خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ". وتركهم من القتل، وأمر بهم أن يجلوا من المدينة، فخرجوا بعد ثلاث، وولى إخراجهم منها عبادة من الصامت، وقيل: محمد بن مسلمة، فلحقوا بأذرعات، فما كان أقل بقاءهم بها، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسي: قوسا يدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوسا يدعى الروحاء، وقوسا يدعى البيضاء، وأخذ درعين: درعا يقال له: الصغدية وأخرى فضة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أسياف، سيف قلعي، وسيف يقال له:
بتار، وآخر لم يسم. ووجد في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة للصياغة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس، وفض أربعة أخماسه على أصحابه فكان أول خمس بعد بدر، وكان الذي قبض أموالهم محمد بن مسلمة، فأنزل الله تعالى في شأن عبد الله بن أبي وفي شأن عبادة بن الصامت. (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض) [المائدة 51، 52] أي عبد الله بن أبي وقوله: إني أخشى الدوائر (يسارعون فيهم يقولون:
نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) إلى قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة 55] وذلك لتولي عبادة بن الصامت