ذلك في صلاة أخرى، كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الأئمة رحمهم الله عز وجل.
فائدة: استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا، وقد وقع عن فرس فجحش (1) شقه فصلوا وراءه قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: " كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم، يقومون على عظمائهم وهم جلوس ". " وقال: إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ".
قالوا: ثم إنه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت. فدل على نسخ ما تقدم والله أعلم.
وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال، على وجوه كثيرة موضع ذكرها كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وملخص ذلك: أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لامره المتقدم، وإنما استمر أبو بكر قائما لأجل التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر، كما صرح به بعض الرواة كما تقدم. وكان أبو بكر لشدة أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبادره بل يقتدى به، فكأنه عليه السلام صار إمام الامام، فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبي بكر وهو قائم، ولم يجلس الصديق لأجل أنه إمام ولأنه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحركات والسكنات والانتقالات. والله أعلم.