فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني عمن تخلف عنه من بني غفار فأخبره به. فقال وهو يسألني: " ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط (1) الذين لا شعر في وجوههم؟ " فحدثته بتخلفهم قال: " فما فعل النفر السود الجعاد القصاز؟ " قال: قلت: والله ما أعرف هؤلاء منا. قال: " بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ (2) " فتذكرتهم في بني غفار فلم أذكرهم، حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا، فقلت: يا رسول الله أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل على بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله؟ إن أعز أهلي على أن يتخلف عنى المهاجرون والأنصار وغفار وأسلم ".
* * * وقال ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق، فأخبر بخبرهم، فأمر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة، وسلكها معه أولئك النفر وقد تلثموا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه، عمار آخذ بزمام الناقة وحذيفة يسوقها.
فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم. فغضب رسول الله وأبصر حذيفة غضبه فرجع إليهم ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه، فلما رأوا حذيفة ظنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الامر العظيم، فأسرعوا حتى خالطوا الناس.