شديد وضيق من الحال، جلى للناس أمرها ودعا من حوله من أحياء الاعراب للخروج معه فأوعب معه بشر كثير. كما سيأتي. قريبا من ثلاثين ألفا، وتخلف آخرون، فعاتب الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ولامهم ووبخهم وقرعهم أشد التقريع وفضحهم أشد الفضيحة وأنزل فيهم قرآنا يتلى، وبين أمرهم في سورة براءة، كما قد بينا ذلك مبسوطا في التفسير. وأمر المؤمنين بالنفر على كل حال، فقال تعالى: " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، لو كان عرضا قريبا، وسفرا قاصدا لاتبعوك، ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون " ثم الآيات بعدها.
ثم قال تعالى: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " فقيل إن هذه ناسخة لتلك وقيل لا. فالله أعلم.
* * * قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب - يعنى من سنة تسع - ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم.
فذكر الزهري (1) ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا، كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار، فالناس