وإنا لفي جبل ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة (1)، فأقبلت سحابة، فلما دنت من الجبل سمعنا منها حمحمة الخيل، وسمعنا قائلا يقول: أقدم حيزوم: فأما صاحبي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا لكدت (2) أن أهلك ثم انتعشت (3) بعد ذلك.
وقال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض بنى ساعدة، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة، وكان شهد بدرا، قال، بعد أن ذهب بصره: لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى.
فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله إليهم: " أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا ". وتثبيتهم: أن الملائكة كانت تأتى الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له:
أبشروا فإنهم ليسوا بشئ والله معكم، كروا عليهم.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون فيقول: إني قد دنوت منهم وسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا. ليسوا بشئ. إلى غير ذلك من القول.
فذلك قوله: " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا " الآية.
ولما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: " إني برئ منكم، إني أرى ما لا ترون " وهو في صورة سراقة.
وأقبل أبو جهل يحرض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه. ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى تفرق محمدا وأصحابه في الجبال، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا.