ثم قال تبارك وتعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك): أي لتركوك (فاعف عنهم):
أي فتجاوز عنهم (واستغفر لهم، وشاورهم في الامر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين) فذكر لنبيه صلى الله عليه وسلم لينه لهم، وصبره عليهم، لضعفهم، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه عليهم في كل ما خالفوا عنه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم صلى الله عليه وسلم. ثم قال تبارك وتعالى: " فاعف عنهم ": أي تجاوز عنهم، " واستغفر لهم " ذنوبهم، من قارف من أهل الايمان منهم " وشاورهم في الامر ": أي لتريهم أنك تسمع منهم، وتستعين بهم، وإن كنت غنيا عنهم، تألفا لهم بذلك على دينهم " فإذا عزمت ": أي على أمر جاءك منى وأمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك، فامض على ما أمرت به، على خلاف من خالفك، وموافقة من وافقك، " وتوكل على الله "، أي ارض به من العباد، (إن الله يحب المتوكلين، إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده): أي لئلا تترك أمرى للناس، وارفض أمر الناس إلى أمرى، وعلى الله لا على الناس، فليتوكل المؤمنون.
ثم قال: (وما كان لنبي أن يغل، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون): أي ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم، عن رهبة من الناس ولا رغبة، ومن يفعل ذلك يأت يوم القيامة به، ثم يجزى بكسبه، غير مظلوم ولا معتدى عليه (أفمن اتبع رضوان الله) على ما أحب الناس أو سخطوا (كمن باء بسخط من الله) لرضا الناس أو لسخطهم. يقول: أفمن كان على طاعتي، فثوابه الجنة ورضوان من الله كمن باء بسخط من الله واستوجب سخطه، فكان " مأواه