فرفع رأسه إلى السماء طويلا، ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم أسند في جبله راجعا من حيث جاء.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب، مولى عثمان ابن عفان، أنه حدث أن عمر بن الخطاب، بينا هو جالس في الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أقبل رجل من العرب داخلا المسجد، يريد عمر بن الخطاب، فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه قال: إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، أو لقد كان كاهنا في الجاهلية. فسلم عليه الرجل، ثم جلس، فقال له عمر رضي الله عنه: هل أسلمت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال له: فهل كنت كاهنا في الجاهلية؟ فقال [له] الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين! لقد خلت في، واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت، فقال له عمر: اللهم غفرا، قد كنا في الجاهلية على شر من هذا، نعبد الأصنام، ونعتنق الأوثان، حتى أكرمنا الله برسول الله وبالإسلام، قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين، لقد كنت كاهنا في الجاهلية، قال: فأخبرني ما جاءك به صاحبك، قال: جاءني قبيل الاسلام بشهر أو شيعه، فقال: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.
قال ابن هشام: هذا الكلام سجع، وليس بشعر.
قال عبد الله بن كعب: فقال عمر [بن الخطاب] عند ذلك يحدث الناس:
والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش، قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه، وذلك قبيل الاسلام بشهر أو شيعه، يقول:
يا ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول: لا إله إلا الله.