وفلسطين، ومنها تسمية هذه الأقاليم بالأجناد (1)، وقوات العراق كانت تقيم في الكوفة والبصرة، وقوات مصر في الفسطاط وضواحي الإسكندرية، ولم يكونوا يسكنون القرى ولا المدن ولا يختلطون بالأهلين، وقد منعهم عمر بن الخطاب من اتخاذ الزرع وشدد عليهم في ذلك، فكانوا يقيمون في معسكراتهم إلى زمن الربيع فيسرحون خيولهم بالمرعى في القرى، يسوقها الأتباع ومعهم طوائف من السادات، وكانوا كثيري العناية بتربية خيولهم وإسمانها، ومن أقوال عمرو بن العاص لجنده في مصر:
(لا أعلمن ما أتى رجلا قد أسمن جسمه وأهزل فرسه، واعلموا أني معترض الخيل كاعتراض الرجل، فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك) (2).
وكان عمرو بن العاص إذا جاء الربيع، كتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبوا، فتفرق العرب في القرى على حسب راياتهم وقبائلهم، وخصوصا في منوف وسمنود وأهناس وطحا، فكانت قرى مصر كلها في جميع الأقاليم مملوءة بالقبط والروم، ولم ينتشر الإسلام في قرى مصر إلا بعد المائة الأولى من تاريخ الهجرة، ثم تضاعف في أواسط المائة الثانية، ولم يقووا إلا في المائة الثالثة، يؤيد ذلك أن المسلمين لم ينشئوا في القرى مساجد قبل ذلك الحين، وأن القبط كانوا إذا انتقضوا أتعبوا المسلمين ولا يهون على هؤلاء اخضاعهم، وما زالوا في ذلك حتى أوقع المأمون بهم سنة 216 وجعل الإسلام ينتشر في القرى.
وقس على ذلك حال الأندلس لما فتحها المسلمون سنة 92، فإنهم أقروا أهلها على ما كانوا عليه إداريا وسياسيا ودينيا، وتركوا لهم أعمال الحكومة وإدارة شؤونها وإنما أبقوا لأنفسهم الرئاسة العامة وقيادة الجند.