عمرانها عن الحد أبلغ وأحسن وأسهل طريقا لاستحكام الصنعة فيها (1).
ولا شك أيضا أن الإسلام قد صبغ بصبغة أهله أكثر الديار التي دخلها، بل كل البلاد التي دخلت في طاعته زمن الخلفاء الراشدين من حيث اللغة والعادات، لأن العرب وهم يومئذ معتزون بعربيتهم حاكمون بسلطتهم، لأن منهم دعاة الإسلام وحملة القرآن، وقد نزل القرآن بلسانهم، فزادهم ذلك استمساكا بما هم عليه من العصبية العربية، كانوا إذا فتحوا بلادا واستعمروها لا يجدون بعد دينهم أمرا يحتفظون به أعظم من عاداتهم التي قبلها الإسلام منهم وأقرهم عليها، ومن ذلك الكتابة، فإنها وإن عرفت في ديار اليمن وكانت الحميرية لهم، وفي ديار العراق وكان الجزم خطهم، إلا أن انتشارها كان بانتشار المسلمين الذين تلقاها الصدر الأول منهم، فكتبوا بها القرآن (2) واحتذى سبيلهم جميع المسلمين يومئذ، فانمحت الكتابة الحميرية من اليمن وحل محلها الخط الكوفي (3).
وجدت هذه الكتابة على إحدى مقابر المسلمين في الكوفة، غير أنه لم تؤرخ كي يتضح لنا عهدها على التحقيق، وترى على اليمين آية الكرسي إلى قوله: (العلي العظيم) مبتدأ فيها بالبسملة، وعلى اليسار سورة التوحيد، وفي آخرها: هذا قبر جعفر بن معمر رحمه الله وغفر له، صلى الله على محمد وعلى آل محمد.
وتحته: الله ولي التوفيق.
وأما المربعة التي في الوسط، فهي الصلاة على محمد وآله، وأما السطران المستطيلان من تحت، فهما البسملة مع قوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة