جملة من الآثار المهمة النادرة، وقد أفادته الوراقة وانتساخ الكتب فائدة مزدوجة، وذلك أنه استنفض جميع ما ورقه من الكتب بالمطالعة، فاتسعت مادته التأريخية من هذه الناحية، أضف إلى ذلك وقوفه في دور الكتب - وما أكثرها في عهده - على كثير من الأمهات المطبوعة والمخطوطة، فعكف على مطالعتها بحذافيرها حتى استخرج حقائق تأريخية كثيرة مما لا مظنة للتاريخ فيه من كتب الفقه والحديث والرجال، فدل على عظم اجتهاده ومضاء عزيمته، كما تسنى له التطواف في رقعة عريضة من سواد العراق، فشاهد طائفة من المعالم والأطلال العراقية القديمة حيث قرن العلم بالعمل فيها، ثم لما كان ممن يميل إلى الاتساع في تاريخ العراق - من بعد انقراض الدولة العباسية - لا مناص له من التعويل على اللغة الفارسية إذ أن شطرا من تاريخ بلادنا إذ ذاك مدون بلغة الفرس، لقيام الدولة الأجنبية الصرفة على أنقاض الدولة العباسية، فقد مال البراقي إلى تتبع كتب التاريخ الفارسية بغية الاستفادة مما دون فيها من تاريخ العراق.
وبالجملة كان جل همه مصروفا إلى التاريخ، فلذلك استقل واختص فيه ولم يشارك في شئ سواه من العلوم والفنون... اللهم إلا في علمي الأنساب والرجال لاتصالهما بذلك الفن، فقد ضرب إليهما مؤرخنا بعرق عريق، وقد كان ضيق العطل في اللغة العربية زهيد البضاعة في الإنشاء والترسل، فلا مطمع لعشاق البلاغة والفصاحة في شئ من آثاره، لأن لغته في أكثرها نمط وسط بين لغة العامة والفصحاء، وفي آثاره أيضا كثير من الحشو الذي لا يوافقه عليه ذوو العقول النيرة في هذا العصر، وفيها أيضا ما فيها من الخطأ في الاجتهادات والاستنتاجات التأريخية، دع عنك ما يغلب عليها شأن أكثر الكتب القديمة من التشويش وسوء الترتيب والتبويب إلى هذا ونحوه، على أن ذلك بأجمعه لا يغض من منزلة كتبه وآثاره الخطيرة بالقياس إلى فوائدها الجليلة.
2 - أخلاقه وأحواله:
كنا خلال أيام الطفولة نكثر من الاختلاف إلى دار إقامة السيد البراقي في النجف للاستظهار من القرآن المجيد، فكانت داره لا تخلو من غروس مخضرة ومن شجرة ونخيلة قائمة، وهناك شويهة مرتبطة، وها هنا وحشية مقتنصة، وثم طويرات جميلة تتطاير في فضاء الدار أو تتدافع في ساحتها الواسعة، يتعهدها شيخ مشرق الوجه