باسم الثغر نحيف إلى الطول والسمرة، وكل ما يبدو لك في الدار يدل على لطف الطبع، واجتناب التكلف، والميل إلى الحياة في مظاهرها الفطرية الصحيحة، وكان البراقي مع ذلك رقيق القلب جم المروة، منفاقا على عياله الكثيرين، ممتعضا متبرما من أخلاق معاصريه، لا سيما الطبقة التي انتظم في سلكها، وطالما شكا في مؤلفاته مما تسرب إلى بيئته إذ ذاك من مساوئ غريبة لا تتفق مع ما طبع عليه العربي الصريح من شيم محمودة وأخلاق فاضلة، حتى حمله ذلك على الانتزاح إلى قرية من قرى السواد، هي قرية اللهيبات، إحدى قرى الحيرة وذلك في حدود سنة 1320 ه، فأقام فيها على نكد من العيش وضيق المكسب، يستغل هو وأولاده ضيعة صغيرة تفاديا من مسألة اللئام، إلى أن توفي (رحمه الله) في ضيعته المذكورة، وذلك في شعبان سنة 1332 ه.
كان أيضا على جانب لا يستهان به من قوة الحافظة وجودة الذكر وحضور البال وكثرة التتبع والاستقراء، إلى هذا ومثله من مزايا المؤرخين على الإجمال، كما يظهر ذلك مما تركه من الآثار الكثيرة تأليفا وانتساخا، مع قلة ذات يده، وانصرافه إلى تدبير معاشه، وقد اتفقت لنا زيارته في ضيعته سنة 1331 - أي قبل وفاته بسنة - وذلك بعد غياب طويل لمشارفة بعض كتبه التي لم يسبق لنا الاطلاع عليها، ولمذاكرته في بعض المسائل التاريخية التي عرف بالتنقيب عنها في بعض جهات العراق.
3 - مؤلفاته وآثاره:
تربو مؤلفات المؤرخ البراقي (رحمه الله) على ثمانين مجلدا رأينا أهمها بخط يده، ولم يطبع منها شئ على ما نعلم إلى الآن، وهي نتيجة أبحاثه وتتبعه مدة عمره، وفيها مادة تاريخية غزيرة على علاتها إجمالا، وقد رمى في بعض مؤلفاته المذكورة إلى أغراض إصلاحية نسله، ومن ذلك أنه أزاح الستار عن حقيقة كثير من القبور والمزارات المنتشرة في قرى السواد المنسوبة إلى بني الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وبناتهم، وأشار إلى أن الأصل في معظمها من عمل المرتزقة الذين يستغلون جهل العامة، قال: ويوجد أمثال هذه المزارات في الشام والحجاز وأكثرها مصنوع، وقد أورد ذلك في مجموعة الحكايات، وهي إحدى مجاميعه، وإليك قائمة بأسماء