جعل لها منزلتها التاريخية اليوم وفي كل يوم التي ترتبط بتاريخ تطورات الإسلام في أهم عصوره وأدق ظروفه، والتي تستهوي غواة التتبع والبحث.
ثم لم ترض بذلك حتى جعلت لها مركزا للأدب والعلم - نتيجة لمركزها السياسي - هو الوحيد بين البلاد الإسلامية، ما عدا البصرة يومئذ التي تنازعها هذه المنزلة فيتصارعان ويتجاولان، وكثيرا ما جر هذا التحزب إلى الخلاف في الآراء العلمية والأبحاث الأدبية، ولا زلنا نسمع قال الكوفيون وقال البصريون.
فكانت الكوفة أيضا كوفة العلم والأدب، أو مدرسة الثقافة الإسلامية الجامعة وهذا ما زاد في قيمتها التاريخية بآثارها العلمية والأدبية، وبما أنجبت من علماء وأدباء وشعراء، هم مفاخر التاريخ الإسلامي في أهم أدوار نهضته الثقافية.
كلنا يعرف عن الكوفة شيئا من أهميتها التاريخية في هذه النواحي التي تقدمت - وفي نواح أخرى تعرفها في غضون هذا المؤلف الذي بين أيدينا - ولكنا لم نعرفها في مؤلف واحد جمع شتات تأريخها على ما بها من مغريات للباحثين والمؤرخين، وإنما التاريخ الإسلامي في أدواره التي مرت، والكوفة مركز حركته السياسية والعلمية والأدبية بل التجارية، يعطينا فكرة عامة مشوشة عنها تحتاج إلى التنظيم والتنسيق، ولا يزال كثير من نواحيها يحتاج إلى تدقيق عميق وبحث طويل في المصادر التاريخية المنوعة، وفي مواقع متفرقة في كتب اللغة والحديث والأدب والرجال والبلدان التي لا تحصى، فما أشرف الناس إلى مؤلف يشبع نهمتهم في تاريخ هذه البلدة القديمة، ولماذا غفل المؤرخون عن هذه النقطة الأخاذة.
نعم، سمعنا وقرأنا عن بعض المؤلفات القديمة التي طواها الدهر معه وضن بها على الباحثين، فلم تبق لها عين ولا أثر، منها:
1 - تاريخ الكوفة، لأبي الحسين محمد بن جعفر المعروف بابن النجار الكوفي المتوفى في سنة 402 ه ذكره في كشف الظنون.
2 - تاريخ الكوفة، لابن مجاهد المعروف، ذكره في كشف الظنون أيضا.
3 - كتاب الكوفة وما فيها من الآثار والفضل، للنجاشي صاحب كتاب الرجال المشهور، ذكر في ترجمته.
4 - كتاب في المزار وفضل الكوفة ومساجدها، لجعفر بن الحسن بن شهريار المتوفى في سنة 340 ه، ذكره النجاشي المتقدم في رجاله.