وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا فرد سلامهم، ثم قال: والذي بعثني بالحق لقد آتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم.
ثم ساءلهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نعلم ما نقول فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عندي فيه شئ يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى.
فأصبح الغد، وقد أنزل الله - تعالى - هذه الآية: ﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * ألحق من ربك فلا تكونن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ (1).
فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا مقبلا، إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه، ورد عليه أمره، لا يذهب لنا من صدر ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة وإنا لأدنى العرب منهم جوارا، وإن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه: فلما الرأي يا أبا مريم؟ فقد وضعتك الأمور علي ذراع، فهات رأيك، فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا، فقالا له: إذا أنت وذاك.
فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك، فقال: وما هو؟ قال شرحبيل: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا جائز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل وراءك أحد يثرب عليك، فقال شرحبيل: سل صاحبي، فسألهما، فقالا له: ما يرد الوادي أحد منا ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كافر، أو قال: جاحد موفق.