قال كاتبه: قد خرج البخاري ومسلم حديث وفد عبد القيس بغير هذه السياقة، فخرجه مسلم (1) من طريق شعبة، عن أبي جمرة قال: كنت أترجم
(١) (مسلم بشرح النووي): ٢ / ٣٠٠ - ٣٠٢، كتاب الإيمان، باب (٦) الأمر بالإيمان بالله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه، حديث رقم (٢٤).
وفي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند الأمور المهمة، وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، وفيه بيان مهمات الإسلام وأركانه ما سوى الحج، وفيه استعانة العالم في تفيهم الحاضرين، والفهم عنهم ببعض أصحابه كما فعله ابن عباس - رضي الله تبارك وتعالى عنهما - وقد يستدل به على أنه يكفي في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحد.
وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه: مرحبا ونحوه، والثناء عليهم إيناسا وبسطا.
وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه.
وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة في الوجه، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه -: لست منهم، وقال: يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا. وقال له: وأرجو أن تكون منهم، أي من الذين يدعون من أبواب الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصرا، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر ابن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك! فقال عمر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟ وقال له: ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
وقال: افتح لعثمان وبشره بالجنة، وقال لعلي - رضي الله تبارك وتعالى عنه -: أنت مني وأنا منك. وفي الحديث الآخر: أما ترضى أن تكون مني بمنزله هارون من موسى؟.
وقال لبلال: سمعت دق نعليك في الجنة، وقال لعبد الله بن سلام: أنت على الإسلام حتى تموت. وقال للأنصار: أنتم م أحب الناس إلي. ونظائرهم هذا كثيرة في المدح في الوجه.
وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يفتدي بهم - رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين - فأكثر من أن تحصر. والله - تعالى - أعلم.
وفي حديث الباب من الفوائد: أنه لا عتب على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم:
أوضح لي الجواب، ونحو هذه العبارة. وفيه أنه لا بأس بقول: رمضان، من غير ذكر الشهر، وفيه جواز قول الإنسان لمسلم: جعلني الله فداك.
فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث، وهي وإن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق، والله - تعالى - أعلم، وله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة. (شرح النووي) مختصرا.