ذلك، فلما بال وثب وقال: إلى أيها الناس، أنا البراد بن مالك! إلى إلى!
وقاتل قتالا شديدا، فلما دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة. فقالوا: لا نفعل. فقال: والله لتطرحنني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشد قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيما في بني حنيفة، فلا يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار، أما وحشي فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاري بسيفه، قال ابن عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة، وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم اليمامة، وكان وسيما ، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجاعة: لا، هذا والله خير منه وأكرم، هذا محكم اليمامة، ثم دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال مجاعة:
هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الذي فعل بكم ما فعل.
وكان الذي قتل محكم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره وهو يخطب ويحرض الناس فقتله. وقال مجاعة لخالد: ما جاءك إلا سرعان الناس، وإن الحصون مملوة، فهلم إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كل شئ دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهن ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد فقال: قد زبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللقاء وأحبوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستون، ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل، وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي، وقيل ربعه.
فلما فتحت الحصون لم يكن فيها إلا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلا ما صنعت.