أبو بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - حين قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سلم، أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على السقف كثير طين، وإذا كان المطر امتلأ المسجد طينا، إنما هو كهيئة العريش.
وكان أسامة بن زيد - رضي الله تبارك وتعالى عنه - قد تجهز للغزو، وخرج في نقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون، فيهم عمر بن الخطاب - رضي الله تبارك وتعالى عنه - وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة - رضي الله تبارك وتعالى عنهم - فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد - رضي الله تبارك وتعالى عنه - فقال: أغد على بركة الله، والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير، قال أسامة بن زيد - رضي الله تبارك وتعالى عنه -: يا رسول الله قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله، فإني إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس.
فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها - ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير بن أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتها.
وذلك يوم الاثنين، ووعك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وجع واشتد الوعك واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت، فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى عليه الساعة ثم يفيق ثم يشخص بصره إلى السماء، فيقول في الرفيق الأعلى (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء