إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ١٣ - الصفحة ٢٩٩
وخرج أيضا من حديث عبد الله بن نافع قال: حدثنا عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقمت في أثره، فإذا بدحية الكلبي. فقال:
هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، فقال: قد وضعتم السلاح لكنا لا نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد (1)، وذلك حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فزعا، فقال لأصحابه: عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن ندع الصلاة، فصلوا.
وقالت طائفة: والله إنا لفي عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا فلم فلم يعب النبي واحدا من الفريقين (2).

(1) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، (معجم البلدان): 2 / 346، موضع رقم (3908).
(2) (دلائل البيهقي): 4 / 8 - 9، وقال في (هامشه): وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف، فقالت طائفة من العلماء: الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر بلها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون لأن الأمر يومئذ بتأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر له شرعا، فقال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة: وعلم الله أنا لو كنا هناك لم نصل العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام، وهذا القول منه ماش على قاعدته الأصلية في الأخذ بالظاهر.
وقالت طائفة أخرى من العلماء: بل الذين صلوا في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرتهم هم المصيبون، لأنهم فهموا أن المراد إنما هو تعجيل السير إلى بني قريظة لا تأخير الصلاة، فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت إليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه، وأما على قول من يجوز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البحتري، حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا، فلا إشكال على من أخر، ولا على من قدم أيضا، والله - تبارك وتعالى أعلم -.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست