نفسه ويقول: ويحكم ابن نبيكم مجروح مظلوم. وجعل حميد بن قحطبة يقول: ويحكم! دعوه لا تقتلوه، فأحجم عنه الناس وتقدم حميد بن قحطبة فحز رأسه وذهب به إلى عيسى بن موسى فوضعه بين يديه. وكان حميد قد حلف أن يقتله متى رآه، فما أدركه إلا كذلك ولو كان على حاله وقوته لما استطاعه حميد ولا غيره من الجيش.
وكان مقتل محمد بن عبد الله بن حسن عند أحجار الزيت يوم الاثنين بعد العصر، لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وقال عيسى بن موسى لأصحابه حين وضع رأسه بين يديه: ما تقولون فيه؟ فنال منه أقوام وتكلموا فيه، فقال رجل: كذبتم والله! لقد كان صواما قواما، ولكنه خالف أمير المؤمنين وشق عصى المسلمين فقتلناه على ذلك. فسكتوا حينئذ.
وأما سيفه ذو الفقار فإنه صار إلى بني العباس يتوارثونه حتى جربه بعضهم فضرب به كلبا فانقطع. ذكره ابن جرير وغيره. وقد بلغ المنصور في غبون هذا الامر أن محمدا فر من الحرب فقال:
هذا لا يكون، فإنا أهل بيت لا نفر.
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن راشد، حدثني أبو الحجاج قال: إني لقائم على رأس المنصور وهو يسألني عن مخرج محمد، إذ بلغه أن عيسى بن موسى قد انهزم وكان متكئا فجلس فضرب بقضيب معه مصلاه وقال: كلا وأين لعب صبياننا بها على المنابر ومشورة النساء؟ ما أنى لذلك بعد.
وبعث عيسى بن موسى بالبشارة إلى المنصور مع القاسم بن الحسن وبالرأس مع ابن أبي الكرام، وأمر بدفن الجثة فدفن بالبقيع، وأمر بأصحابه الذين قتلوا معه فصلبوا صفين ظاهر المدينة ثلاثة أيام ثم طرحوا على مقبرة اليهود عند سلع. ثم نقلوا إلى خندق هناك. وأخذ أموال بني حسن كلها فسوغها له المنصور، ويقال إنه ردها بعد ذلك إليهم، حكاه ابن جرير. ونودي في أهل المدينة بالأمان فأصبح الناس في أسواقهم، وترفع عيسى بن موسى في الجيش إلى الجرف من مطر أصاب الناس يوم قتل محمد، وجعل ينتاب المسجد من الجرف، وأقام بالمدينة إلى اليوم التاسع عشر من رمضان، ثم خرج منها قاصدا مكة وكان بها الحسن بن معاوية بن جهة محمد وكان محمد قد كتب إليه يقدم عليه، فلما خرج من مكة وكان ببعض الطريق تلقته الاخبار بقتل محمد، فاستمر فارا إلى البصرة إلى أخي محمد إبراهيم بن عبد الله، الذي كان قد خرج بها ثم قتل بعد أخيه في هذه السنة على ما سنذكره.
ولما جئ المنصور برأس محمد بن عبد الله بن حسن فوضع بين يديه أمر به فطيف به في طبق أبيض ثم طيف به في الأقاليم بعد ذلك، ثم شرع المنصور في استدعاء من خرج مع محمد من أشراف أهل المدينة، فمنهم من قتله ومنهم من ضربه ضربا مبرحا، ومنهم من عفا عنه. ولما توجه عيسى إلى مكة استناب على المدينة كثير بن حصين، فاستمر بها شهرا حتى بعث المنصور على نيابتها عبد الله بن الربيع، فعاث جنده في المدينة فصاروا إذا اشتروا من الناس شيئا لا يعطونهم ثمنه، وإن طولبوا بذاك ضربوا المطالب وخوفوه بالقتل، فثار عليهم طائفة من السودان واجتمعوا ونفخوا في بوق لهم فاجتمع