وعثاء السفر ثم ائتني من الغد. فلما كان الغد أرصد له من الأمراء من يقتله، منهم عثمان بن نهيك، وشبيب بن واج، فقتلوه كما تقدم. ويقال بل أقام أياما يظهر له المنصور الاكرام والاحترام، ثم نشق منه الوحشة فخاف أبو مسلم واستشفع بعيسى بن موسى واستجار به، وقال: إني أخافه على نفسي.
فقال: لا بأس عليك فانطلق فإني آت وراءك، أنت في ذمتي حتى آتيك، - ولم يكن مع عيسى خبر بما يريد به الخليفة - فجاء أبو مسلم يستأذن على المنصور فقالوا له: اجلس ههنا فإن أمير المؤمنين يتوضأ، فجلس وهو يود أن يطول مجلسه ليجئ عيسى بن موسى فأبطأ، وأذن له الخليفة فدخل عليه فجعل يعاتبه في أشياء صدرت منه فيعتذر عنها جيدا، حتى قال له: فلم قتلت سليمان بن كثير، وإبراهيم بن ميمون، وفلانا وفلانا؟ قال: لأنهم عصوني وخالفوا أمري. فغضب عند ذلك المنصور وقال: ويحك!
أنت تقتل إذا عصيت، وأنا لا أقتلك وقد عصيتني؟ وصفق بيديه وكانت الإشارة بينه وبين المرصدين لقتله -، فتبادروا إليه ليقتلوه فضربه أحدهم فقطع حمائل سيفه، فقال: يا أمير المؤمنين استبقني لأعدائك، فقال: وأي عدو لي أعدى منك. ثم زجرهم المنصور فقطعوه قطعا ولفوه في عباءة، ودخل عيسى بن موسى على إثر ذلك فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا أبو مسلم، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له المنصور: احمد الله الذي هجمت علي نعمة، ولم تهجم علي نقمة، ففي ذلك يقول أبو دلامة:
أبا مسلم (1) ما غير الله نعمة * على عبده حتى يغيرها العبد أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى * عليك بما خوفتني الأسد الورد وذكر ابن جرير: أن المنصور تقدم إلى عثمان بن نهيك وشبيب بن واج وأبي حنيفة حرب بن قيس وآخر من الحرس أن يكونوا قريبا منه، فإذا دخل عليه أبو مسلم وخاطبه وضرب بإحدى يديه على الأخرى فليقتلوه. فلما دخل عليه أبو مسلم قال له المنصور: ما فعل السيفان (2) اللذان أصبتهما من عبد الله بن علي؟ فقال: هذا أحدهما. فقال: أرنيه، فناوله السيف فوضعه تحت ركبته ثم قال له: ما حملك على أن تكتب لأبي عبد الله السفاح تنهاه عن الموات، أردت أن تعلمنا الدين؟ قال: إنني ظننت أن أخذه لا يحل، فلما جاءني كتاب أمير المؤمنين علمت أنه وأهل بيته معدن العلم. قال: فلم تقدمت علي في طريق الحج؟ قال: كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس، فتقدمت التماس الرفق.
قال: فلم لا رجعت إلي حين أتاك خبر موت أبي العباس؟ قال: كرهت التضييق على الناس في طريق الحج، وعرفت أنا سنجتمع بالكوفة، وليس عليك مني خلاف. قال: فجارية عبد الله بن علي أردت أن تتخذها لنفسك؟ قال: لا! ولكن خفت أن تضيع فحملتها في قبة ووكلت بها من يحفظها. ثم قال