فهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط (1) وكتب إلى ابن أخيه المأمون حين طال عليه الاختفاء: ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل عفو، كما جعل كل ذي نسب دونه، فإن عفا فبفضله وإن عاقب فبحقه. فوقع المأمون في جواب ذلك. القدرة تذهب الحفيظة وكفى بالندم إنابة وعفو الله أوسع من كل شئ. ولما دخل عليه أنشأ يقول:
إن أكن مذنبا فحظي أخطأت * فدع عنك كثرة التأنيب قل كما قال يوسف لبني يعقو * ب لما أتوه لا تثريب فقال المأمون: لا تثريب. وروى الخطيب أن إبراهيم لما وقف بين يدي المأمون شرع يؤنبه على ما فعل فقال: يا أمير المؤمنين حضرت أبي وهو جدك وقد أتي برجل ذنبه أعظم من ذنبي فأمر بقتله فقال مبارك بن فضالة: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تؤخر قتل هذا الرجل حتى أحدثك حديثا، فقال: قل.
فقال: حدثني الحسن البصري عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: ليقم العافون عن الناس من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلا من عفا ". فقال المأمون: قد قبلت هذا الحديث بقبوله وعفوت عنك يا عم. وقد ذكرنا في سنة أربع ومائتين زيادة على هذا. وكانت أشعاره جيدة بليغة سامحه الله. وقد ساق من ذلك ابن عساكر جانبا جيدا.
كان مولد إبراهيم هذا في مستهل ذي القعدة سنة ثنتين وستين ومائة، وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون (2) من هذه السنة عن ثنتين وستين سنة.
وفيها توفي سعيد بن أبي مريم المصري. وسليمان بن حرب (3). وأبو معمر المقعد (4). وعلي بن محمد المدائني الاخباري أحد أئمة هذا الشأن في زمانه. وعمرو بن مرزوق شيخ البخاري. وقد تزوج هذا الرجل ألف امرأة. وأبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي أحد أئمة اللغة والفقه والحديث والقرآن والاخبار وأيام الناس، له المصنفات المشهورة المنتشرة بين الناس، حتى يقال إن الإمام أحمد كتب كتابه