الأمة مقام النبوة. قال البيهقي - يعني في صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله - وقال أبو عمر بن النحاس - وذكر أحمد يوما - فقال رحمه الله: في الدين ما كان أبصره، وعن الدنيا ما كان أصبره، وفي الزهد ما كان أخبره، وبالصالحين ما كان ألحقه، وبالماضين ما كان أشبهه، عرضت عليه الدنيا فأباها، والبدع فنفاها. وقال بشر الحافي بعد ما ضرب أحمد بن حنبل: أدخل أحمد الكير فخرج ذهبا أحمر. وقال الميموني: قال لي علي بن المديني بعد ما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن: يا ميمون ما قام أحد في الاسلام ما قام أحمد بن حنبل. فعجبت من هذا عجبا شديدا وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة علي بن المديني فقال: صدق، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصارا وأعوانا، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان. ثم أخذ أبو عبيد يطري أحمد ويقول: لست أعلم في الاسلام مثله. وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه. وقال علي بن المديني: إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان. وقال أيضا: إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، ثم قال: ومن يقوى على ما يقوى عليه أبو عبد الله؟
وقال يحيى بن معين: كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط: كان محدثا، وكان حافظا، وكان عالما، وكان ورعا، وكان زاهدا، وكان عاقلا. وقال يحيى بن معين أيضا: أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، والله ما نقوى أن نكون مثله ولا نطيق سلوك طريقه. وقال الذهلي: اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله. وقال هلال بن العلاء (1) الرقي: من الله على هذه الأمة بأربعة: بالشافعي فهم الأحاديث وفسرها، وبين مجملها من مفصلها، والخاص والعام والناسخ والمنسوخ. وبأبي عبيد بين غريبها. وبيحيى بن معين نفى الكذب عن الأحاديث، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة لولا هؤلاء الأربعة لهلك الناس، وقال أبو بكر بن أبي داود: أحمد بن حنبل مقدم على كل من يحمل بيده قلما ومحبرة - يعني في عصره - وقال أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ولا رأيت من رأى مثله. وقال أبو زرعة الرازي: ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه منه. وروى البيهقي عن الحاكم عن يحيى بن محمد العنبري قال: أنشدنا أبو عبد الله البوسندي في أحمد بن حنبل رحمه الله:
إن ابن حنبل إن سألت إمامنا * وبه الأئمة في الأنام تمسكوا خلف النبي محمدا بعد الألى * خلفوا الخلائف بعده واستهلكوا حذو الشراك على الشراك وإنما * يحذو المثال مثاله المستمسك وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " (2). وروى البيهقي عن أبي سعيد