على يدي علي بن أبي طالب. قلت: وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة، وسمع بها شيئا كثيرا من حماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وابن مهدي، ومالك، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم. وعنه جماعة منهم أبو خيثمة، وزهير بن حرب، وسري السقطي، والعباس بن عبد العظيم، ومحمد بن حاتم. قال محمد بن سعد: سمع بشر كثيرا ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث. وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه. قال الإمام أحمد يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس، ولو تزوج لتم أمره. وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده مثله.
وقال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة لمسلم، وكان في كل شعرة منه عقل. ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شئ. وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال: سيدي اسمك ههنا ملقى يداس! ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال، فأحيى الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة.
ومن كلامه: من أحب الدنيا فليتهيأ للذل. وكان بشر يأكل الخبز وحده فقيل له: أما لك أدم؟
فقال: بل أذكر العافية فأجعلها أدما. وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافيا فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل من ذا؟ فقال: بشر الحافي. فقالت له جارية صغيرة: لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافي. قالوا: وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذاء فطلب منه شراكا لنعله فقال: ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس؟ فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدا.
قال ابن خلكان: وكانت وفاته يوم عاشوراء، وقيل في رمضان ببغداد، وقيل بمرو. قلت:
الصحيح ببغداد في هذه السنة، وقيل في سنة ست وعشرين والأول أصح والله أعلم. وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم، فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة. وكان على المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلا صوته في الجنازة: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة. وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه. وقد رآه بعضهم في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ فقال غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة. وذكر الخطيب أنه كان له أخوات ثلاث وهن: مخة، ومضغة، وزبدة. وكلهن عابدات زاهدات مثله وأشد ورعا أيضا. ذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت: إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل على ضوء القمر فهل علي عند البيع أن أميز هذا من هذا؟ فقال: إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري. وقالت له مرة إحداهن: ربما تمر بنا مشاعل بني طاهر في الليل ونحن نغزل فنغزل الطاق والطاقين والطاقات فخلصني من ذلك. فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار. وسألته عن أنين المريض أفيه شكوى؟ قال لا! إنما هو شكوى إلى الله عز وجل. ثم خرجت فقال لابنه عبد