بين يديه، فما زلت أترفق به وتوسلت إليه أني من موالي شيبان حتى كلمني، فقال: في أي شئ نظرت من العلوم؟ فقلت: في اللغة والشعر. قال: رأيت بالبصرة جماعة يكتبون عن رجل الشعر، قيل لي هذا أبو نواس. فتخللت الناس ورائي فلما جلست إليه أملى علينا:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل * خلوت ولكن في الخلاء رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة * ولا آثما يخفى عليه يغيب لهونا عن الآثام حتى تتابعت * ذنوب على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنتوب وزاد بعضهم في رواية عن أبي نواس بعد هذه الأبيات:
أقول إذا ضاقت علي مذاهبي * وحلت بقلبي للهموم ندوب لطول جناياتي وعظم خطيئتي * هلكت وما لي في المتاب نصيب وأغرق في بحر المخافة آيسا * وترجع نفسي تارة فتتوب وتذكرني عفو الكريم عن الورى * فأحيا وأرجو عفوه فأنيب وأخضع في قولي وأرغب سائلا * عسى كاشف البلوى علي يتوب قال ابن طراز الجريري: وقد رويت هذه الأبيات لمن؟ قيل لأبي نواس وهي في زهدياته. وقد استشهد بها النحاة في أماكن كثيرة قد ذكرناها. وقال حسن بن الداية: دخلت على أبي نواس وهو في مرض الموت فقلت: عظني. فأنشأ يقول:
فكثر (1) ما استطعت من الخطايا * فإنك لاقيا ربا غفورا ستبصر إن وردت عليه عفوا * وتلقى سيدا ملكا قديرا (2) تعض ندامة كفيك مما * تركت مخافة النار الشرورا (3) فقلت: ويحك! بمثل هذا الحال تعظني بهذه الموعظة؟ فقال: اسكت حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". وقد تقدم بهذا الاسناد عنه " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ". وقال الربيع وغيره عن الشافعي قال: دخلنا على أبي نواس في اليوم الذي مات فيه وهو يجود بنفسه فقلنا: ما أعددت لهذا اليوم؟ فأنشأ يقول: