برأسه. فكرر عليه جعفر المقالة فقال الرشيد في الثالثة: برئت من المهدي إن لم تأتني برأسه لأبعثن من يأتيني برأسك ورأسه. فرجع إلى جعفر فحز رأسه وأتى به إلى الرشيد فألقاه بين يديه، وأرسل الرشيد من ليلته البرد بالاحتياط على البرامكة جميعهم ببغداد وغيرها،، ومن كان منهم بسبيل.
فأخذوا كلهم عن آخرهم. فلم يفلت منهم أحد. وحبس يحيى بن خالد في منزله، وحبس الفضل بن يحيى في منزل آخر وأخذ جميع ما كانوا يملكونه من الدنيا، وبعث الرشيد برأس جعفر وجثته فنصب الرأس عند الجسر الاعلى، وشقت الجثة باثنتين فنصب نصفها الواحد عند الجسر الأسفل، والآخر عند الجسر الآخر، ثم أحرقت بعد ذلك. ونودي في بغداد: أن لا أمان للبرامكة ولا لمن آواهم، إلا محمد بن يحيى بن خالد فإنه مستثنى منهم لنصحه للخليفة. وأتي الرشيد بأنس بن أبي شيخ كان يتهم بالزندقة، وكان مصاحبا لجعفر، فدار بينه وبين الرشيد كلام، ثم أخرج الرشيد من تحت فراسه سيفا وأمر بضرب عنقه به (1). وجعل يتمثل ببيت قيل في قتل أنس قبل ذلك (2):
تلمظ السيف من شوق إلى أنس (3) * فالسيف يلحظ والاقدار تنتظر فضربت عنق أنس فسبق السيف الدم فقال الرشيد: رحم الله عبد الله بن مصعب، فقال الناس: إن السيف كان للزبير بن العوام. ثم شحنت السجون بالبرامكة واستلبت أموالهم كلها، وزالت عنهم النعمة. وقد كان الرشيد في اليوم الذي قتل جعفرا في آخره، هو وإياه راكبين في الصيد في أوله، وقد خلا به دون ولاة العهود، وطيبه في ذلك بالغالية بيده، فلما كان وقت المغرب ودعه الرشيد وضمه إليه وقال: لولا أن الليلة ليلة خلوتي بالنساء ما فارقتك، فاذهب إلى منزلك واشرب واطرب وطب عيشا حتى تكون على مثل حالي، فأكون أنا وأنت في اللذة سواء. فقال: والله يا أمير المؤمنين لا أشتهي ذلك إلا معك. فقال: لا! انصرف إلى منزلك. فانصرف عنه جعفر فما هو إلا أن ذهب الليل بعضه حتى أوقع به من البأس والنكال ما تقدم ذكره. وكان ذلك ليلة السبت آخر ليلة من المحرم، وقيل إنها أول ليلة من صفر في هذه السنة، وكان عمر جعفر إذ ذاك سبعا وثلاثين سنة، ولما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بن خالد بقتله قال: قتل الله ابنه. ولما قيل له: قد خربت دارك قال:
خرب الله دوره. ويقال: إن يحيى لما نظر إلى دوره وقد هتكت ستورها واستبيحت قصورها، وانتهب ما فيها. قال: هكذا تقوم الساعة. وقد كتب إليه بعض أصحابه يعزيه فيما جرى له، فكتب إليه جواب التعزية: أنا بقضاء الله راض، وباختياره عالم، ولا يؤاخذ الله العباد إلا بذنوبهم، وما الله بظلام للعبيد. وما يغفر الله أكثر ولله الحمد. وقد أكثر الشعراء من المراثي في