ذكر وقعة أخرى ووقعة العرب ثم ان المسلمين نهضوا إلى الفرنج من الغد وهو سادس شعبان عازمين على بذل جهدهم واستنفاد وسعهم في استئصالهم فتقدموا على تعبيتهم فرأوا الفرنج حذرين محتاطين قد ندموا على ما فرطوا فيه بالأمس وهم قد حفظوا أطرافهم ونواحيهم وشرعوا في حفر خندق يمنع من الوصل إليهم فألح المسلمون عليهم في القتال فلم يتقدم الفرنج إليهم ولا فارقوا مرابضهم فلما رأى المسلمون ذلك عادوا عنهم.
ثم إن جماعة من العرب بلغهم أن الفرنج تخرج من الناحية الأخرى إلى الاحتطاب وغيره من أشغالهم فكمنوا لهم في معاطف النهر ونواحيه سادس عشر شعبان فلما خرج جمع من الفرنج على عادتهم حملت عليهم العرب فقتلوهم عن آخرهم وغنموا ما كان معهم وحملوا الرؤوس إلى صلاح الدين فأحسن إليهم وأعطاهم الخلع.
ذكر الوقعة الكبرى على عكا لما كان بعد هذه الوقعة المذكورة بقي المسلمون إلى العشرين من شعبان كل يوم يغادون القتال مع الفرنج ويراوحونه والفرنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يفارقونه ثم إن الفرنج اجتمعوا للمشورة فقالوا إن عسكر مصر لم يحضروا الحال مع صلاح الدين هكذا فكيف يكون إذا حضر؟