الطمأنينة وترك السعي في الخلاص حتى عجل الله لهم النار في الدنيا قبل الآخرة فلما احترق البرج الأول انتقل إلى الثاني وقد هرب من فيه لخوفهم فأحرقه وكذلك الثالث وكان يوما مشهودا لم ير الناس مثله والمسلمون ينظرون ويفرحون وقد أسفرت وجوههم بعد الكآبة فرحا بالنصر وخلاص المسلمين من القتل لأنهم ليس فيهم أحد إلا وله في البلد إما نسيب وإما صديق.
وحمل ذلك الرجل إلى صلاح الدين فبذل له الأموال الجزيلة والإقطاع الكثيرة فلم يقبل منه الحبة الفرد وقال إنما عملته الله تعالى ولا أريد الجزاء إلا منه.
وسيرت الكتب إلى البلاد بالبشائر وأرسل يطلب العساكر الشرقية فأول من أتاه عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي وهو صاحب سنجار وديار الجزيرة ثم أتاه علاء الدين ولد عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي سيره أبوه مقدما على عسكره وهو صاحب الموصل ثم وصل زين الدين يوسف صاحب إربل وكان كل منهم إذا وصل يتقدم إلى الفرنج بعسكره وينضم إليه غيرهم ويقاتلونهم ثم ينزلون.
ووصل الأسطول من مصر فلما سمع الفرنج بقربه جهزوا إلى طريقه أسطولا ليلقاه ويقاتله فركب صلاح الدين في العساكر جميعها وقاتلهم من جهاتهم ليشتغلوا بقتاله عن قتال الأسطول ليتمكن من دخول عكا فلم يشتغلوا عن قصده بشيء فكان القتال بين الفريقين برا وبحرا وكان يوما مشهودا لم يؤرخ مثله وأخذ المسلمون من الفرنج مركبا فيه من الرجال والسلاح وأخذ الفرنج من المسلمين مثل ذلك إلا أن القتل في الفرنج كان أكثر منه في المسلمين ووصل الأسطول الإسلامي سالما.