وفارقوا الحزم وخلفوا السلطان وراء ظهورهم وقاربوا الفرنج فأرسل صلاح الدين عدة من الأمراء يردونهم ويحمونهم إلى أن يخرجوا فلم يسمعوا ولم يقبلوا.
وكان الفرنج قد اعتقدوا أن وراءهم كمينا فلم يقدموا عليهم فأرسلوا من ينظر حقيقة الأمر فأتاهم الخبر انهم منقطعون عن المسلمين وليس وراءهم ما يخاف فحملت الفرنج عليهم حملة رجل واحد فقاتلوهم فلم يلبثوا أن أناموهم وقتل معهم جماعة من المعروفين وشق على صلاح الدين والمسلمين ما جرى عليهم وكان ذلك بتفريطهم في حق أنفسهم رحمهم الله ورضي عنهم.
وكانت هذه الوقعة تاسع جمادى الأولى فلما رأى صلاح الدين ذلك انحدر من الجبل إليهم في عسكره فحملوا على الفرنج فألقوهم إلى الجسر وقد اخذوا طريقهم فالقوا أنفسهم في الماء فغرق منهم نحو مائة دراع سوى من قتل وعزم السلطان على مصابرتهم ومحاصرتهم فتسامع الناس فقصدوه واجتمع معه خلق كثير فلما رأى الفرنج ذلك عادوا إلى مدينة صور فلما عادوا إليها عاد صلاح الدين إلى تبنين ثم إلى عكا ينظر حالها ثم عاد إلى العسكر والمخيم.
ذكر وقعة ثالثة لما عاد صلاح الدين إلى العسكر أتاه الخبر أن الفرنج يخرجون من صور للاحتطاب والاحتشاش متبددين فكتب إلى من بعكا من العسكر وواعدهم يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة ليلاقوهم من الجانبين ورتب كمناء في موضع من تلك الأودية والشعاب واختار جماعة من شجعان عسكره،