بإحكام سوره [وأدخل في السور كنيسة صهيون وكانت خارجة عنه بمقدار رميتي سهم]، وعمل المدرسة والرباط والبيمارستان وغير ذلك من مصالح المسلمين ووقف عليها الوقوف وصام رمضان بالقدس وعزم على الحج والإحرام منه فلم يمكنه ذلك فسار عنه خامس شوال نحو دمشق واستناب بالقدس أميرا اسمه جورديك وهو من المماليك النورية.
ولما سار عنه جعل طريقه على الثغور الإسلامية كنابلس وطبرية وصفد وتبنين وبيروت وتعهد هذه البلاد وأمر بإحكامها فلما كان في بيروت أتاه بيمند صاحب أنطاكية وأعمالها واجتمع به وخدمه فخلع عليه صلاح الدين وعاد إلى بلده فلما عاد رحل صلاح الدين إلى دمشق فدخلها في الخامس والعشرين من شوال وكان يوم دخوله إليها يوما مشهودا وفرح الناس به فرحا عظيما لطول غيبته وذهاب العدو عن بلاد الإسلام.
ذكر وفاة قلج أرسلان في هذه السنة منتصف شعبان توفي الملك قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش بن سلجوق السلجوقي بمدينة قونية وكان له من البلاد قونية وأعمالها وأقصرا وسيواس وملطية وغير ذلك من البلاد وكانت مدة ملكه نحو تسع وعشرين سنة وكان ذا سياسة حسنة وهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة إلى بلاد الروم فلما كبر فرق بلاده على أولاده فاستضعفوه ولم يلتفتوا إليه وحجر عليه ولده قطب الدين.