والرأي اننا نلقي المسلمين غدا لعلنا نظفر بهم قبل اجتماع العساكر والأمداد إليهم.
وكان كثير من عسكر صلاح الدين غائبا عنه بعضهم مقابل أنطاكية ليردوا غائلة البيمند صاحبها عن أعمال حلب وبعضهم في حمص مقابل طرابلس ليحفظ ذلك الثغر أيضا وعسكر في مقابل صور لحماية ذلك البلد وعسكر بمصر يكون بثغر دمياط والإسكندرية وغيرهما والذي بقي من عسكر مصر كانوا لم يصلوا لطول بيكارهم كما ذكرناه قبل وكان هذا مما أطمع الفرنج في الظهور إلى قتال المسلمين.
وأصبح المسلمون على عادتهم منهم من يتقدم إلى القتال ومنهم من هو في خيمته ومنهم من قد توجه في حاجته في زيارة صديق وتحصيل ما يحتاج إليه هو وأصحابه ودوابه إلى غير ذلك فخرج الفرنج من معسكرهم كأنهم الجراد المنتشر يدبون على وجه الأرض قد ملؤوها طولا وعرضا وطلبوا ميمنة المسلمين وعليها تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين فلما رأى أن الفرنج نحوه قاصدين حذر هو وأصحابه فتقدموا إليه فلما قربوا منه تأخر عنهم.
فلما رأى صلاح الدين الحال وهو في القلب أمد تقي الدين برجال من عنده ليتقوى بهم وكان عسكر ديار بكر وبعض الشرقيين في جناح القلب فلما رأى الفرنج قلة الرجال في القلب وأن كثيرا منهم قد ساروا نحو الميمنة مددا لهم عطفوا على القلب فحملوا حملة رجل واحد فاندفعت العساكر بين أيديهم منهزمين وثبت بعضهم فاستشهد جماعة منهم كالأمير مجلى بن مروان والظهير أخي الفقيه عيسى وكان والي البيت المقدس قد جمع بين الشجاعة والعلم والدين وكالحاجب خليل الهكاري وغيرهم من الشجعان