وأمرهم أنهم إذا حمل عليهم الفرنج قاتلوهم شيئا من قتال ثم تطاردوا لهم وأروهم العجز عن مقاتلتهم فإذا تبعهم الفرنج استجروهم إلى أن يجوزوا مواضع الكمين ثم يعطفوا عليهم ويخرج الكمين من خلفهم فخرجوا على هذه العزيمة.
فلما تراءى الجمعان والتقت الفئتان أنف فرسان المسلمين أن يظهر عنهم اسم الهزيمة وثبتوا فقاتلوهم وصبر بعضهم لبعض واشتد القتال وعظم الأمر ودامت الحرب وطال على الكمناء الانتظار فخافوا على أصحابهم فخرجوا من مكانهم نحوهم مسرعين وإليهم قاصدين فأتوهم وهم في شدة الحرب فازداد الأمر شدة على شدة وكان فيهم أربعة أمراء من ربيعة طي وكانوا يجهلون تلك الأرض فلم يسلكوا مسلك أصحابهم فسلكوا الوادي ظنا منهم أنه يخرج بهم إلى أصحابهم وتبعهم بعض مماليك صلاح الدين فلما رآهم الفرنج بالوادي علموا أنهم جاهلون فأتوهم وقاتلوهم.
وأما المملوك فإنه نزل عن فرسه وجلس على صخرة واخذ قوسه بيده وحمى نفسه وجعلوا يرمونه بسهام الزنبورك وهو يرميهم فجرح منهم جماعة وجرحوه جراحات كثيرة فسقط فأتوه وهو بآخر رمق فتركوه وانصرفوا وهم يحسبونه ميتا ثم إن المسلمين جاؤوا من الغد إلى موضعهم فرأوا القتلى ورأوا المملوك حيا فحملوه في كساء وهو لا يكاد يعرف من [كثرة] الجراحات فأيسوا من حياته وأعرضوا [عنه وعرضوا] عليه الشهادة وبشروه بالشهادة فتركوه ثم عادوا إليه فرأوه وقد قويت نفسه فأقبلوا عليه بمشروب فعوفي ثم كان بعد ذلك لا يحضر مشهدا إلا كان له فيه الأثر العظيم.