فبينما هو على هذه الحال إذ قد فتح باب القلعة وخرج منه إنسان يطلب الأمان فأجيب إلى ذلك فأذن له في الحضور فحضر وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه إليه بما فيه على قاعدة درب ساك فأجابهم إلى ما طلبوا فعاد الرسول ومعه الأعلام الإسلامية فرفعت على رأس القلعة ونزل من فيها وتسلم المسلمون القلعة بما فيها من ذخائر وأموال وسلاح وأمر صلاح الدين بتخريبه فخرب وكان ذلك مضرة عظيمة على المسلمين فإن ابن ليون صاحب الأرمن خرج إليه من ولايته وهو مجاوره فجدد عمارته وأتقنه وجعل فيه جماعة من عسكره يغيرون منه على البلاد فتأذى بهم السواد الذي لحلب وهو إلى الآن بأيديهم.
ذكر الهدنة بين المسلمين وصاحب أنطاكية لما فتح صلاح الدين بغراس عزم على التوجه إلى أنطاكية وحصرها فخاف البيمند صاحبها من ذلك وأشفق منه فأرسل إلى صلاح الدين يطلب الهدنة وبذل إطلاق كل أسير عنده من المسلمين فاستشار من عنده من أصحاب الأطراف وغيرهم فأشار أكثرهم بإجابته إلى ذلك ليعود الناس ليستريحوا ويجددوا ما يحتاجون إليه فأجاب إلى ذلك واصطلحوا ثمانية أشهر أولها أول تشرين الأول وآخرها آخر أيار وسير رسوله إلى صاحب أنطاكية يستحلفه ويطلق من عنده من الأسرى.
وكان صاحب أنطاكية في هذا الوقت أعظم الفرنج شأنا وأكثرهم ملكا فإنه كان الفرنج قد سلموا اليه طرابلس بعد موت القمص وجميع أعمالها مضافا إلى ما كان له لأن القمص لم يخلف ولدا فلما سلمت إليه طرابلس جعل ولده الأكبر فيها نائبا عنه.