وحدث له قولنج مبرح وكان يعتاده فحضر عنده الأمراء وأشاروا عليه بالانتقال من ذلك الموضع وترك مضايقة الفرنج وحسنوه له وقالوا قد ضيقنا على الفرنج ولو أرادوا الانفصال عن مكانهم لم يقدروا والرأي اننا نبعد عنهم بحيث يتمكنون من الرحيل والعود فإن رحلوا فقد كفينا شرهم وكفوا شرنا وإن أقاموا عاودنا القتال ورجعنا معهم إلى ما نحن فيه ثم إن مزاجك منحرف والألم شديد ولو وقع إرجاف لهلك الناس والرأي على كل تقدير البعد عنهم.
ووافقهم الأطباء على ذلك فأجابهم إليه إلى ما يريد الله أن يفعله (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) فرحلوا إلى الخروبة رابع شهر رمضان وأمر من بعكا من المسلمين بحفظها وإغلاق أبوابها والاحتياط وأعلمهم بسبب رحيله.
فلما رحل هو وعساكره أمن الفرنج وانبسطوا في تلك الأرض وعادوا وحصروا عكا وأحاطوا بها من البحر إلى البحر ومراكبهم أيضا في البحر تحصرها وشرعوا في حفر الخندق وعمل السور من التراب الذي يخرجونه من الخندق وجاؤوا بما لم يكن في الحساب وكان اليزك كل يوم يوافقهم وهم لا يقاتلون ولا يتحركون إنما هم معتمدون بحفر الخندق والسور عليهم ليتحصنوا به من صلاح الدين إن عاد إلى قتالهم فحينئذ ظهر رأي المشيرين بالرحيل.