ففعل ذلك، وأمر أن يكتف من على شمال الونشريشي فكتفوا وقال إن هؤلاء أشقياء وقد وجب قتلهم؛ وأمر كل قبيلة أن يقتلوا أشقياءهم فقتلوا عن آخرهم فكان يوم التمييز.
ولما فرغ ابن تومرت من التمييز رأى أصحابه الباقين على نيات صادقة وقلوب متفقة على طاعته فجهز منهم جيشا وسيرهم إلى جبال أغمات وبها جمع من المرابطين، فقاتلوهم فانهزم أصحاب ابن تومرت وكان أميرهم أبو عبد الله الونشريشي، وقتل منهم كثير وجرح عمر الهنتاتي وهو أكبر أصحابه وسكن حسن حسه ونبضه، فقالوا مات فقال الونشريشي: أما إنه لم يمت ولا يموت حتى يملك البلاد فبعد ساعة فتح عينيه وعادت قوته إليه فافتتنوا به وعادوا منهزمين إلى ابن تومرت فوعظهم وشكرهم على صبرهم.
ثم لم يزل بعدها يرسل السرايا في أطراف بلاد المسلمين فإذا رأوا عسكرا تعلقوا بالجبل فأمنوا. وكان المهدي قد رتب أصحابه مراتب فالأولى يسمون أيت عشرة يعني أهل عشرة وأولهم عبد المؤمن ثم أبو حفص الهنتاتي وغيرهما وهم أشرف أصحابه وأهل الثقة عنده والسابقون إلى متابعته؛ والثانية أيت خمسين يعني أهل خمسين وهم دون تلك الطبقة وهم جماعة من رؤساء القبائل؛ والثالثة أيت سبعين يعني أهل سبعين وهم دون التي قبلها، وسمى عامة أصحابه والداخلين في طاعته موحدين، فإذا ذكر الموحدون في أخبارهم فإنما يعني أصحابه وأصحاب عبد المؤمن بعده.
ولم يزل أمر ابن تومرت يعلو إلى سنة أربع وعشرين [وخمسمائة]، فجهز