الوحل تسوخ فيها قوائم الخيل إلى صدورها ويعجز الرجل عن المشي فيها وتقطعت الطرق عنها فأوقدوا رماحهم وقرابيس سروجهم وهلكوا جوعا وبردا وسوء حال.
وكان عبد المؤمن وأصحابه في أرض خشنة صلبة في الجبل لا يبالون بشيء والميرة متصلة إليهم وفي ذلك الوقت سير عبد المؤمن جيشا إلى وجرة من أعمال تلمسان ومقدمهم أبو عبد الله محمد بن رقو وهو من أيت خمسين، فبلغ خبرهم إلى محمد بن يحيى بن فانو متولي تلمسان فخرج في جيش من الملثمين فالتقوا بموضع يعرف بخندق الخمر فهزمهم جيش عبد المؤمن وقتل محمد بن يحيى وكثير من أصحابه وغنموا ما معهم ورجعوا؛ فتوجه عبد المؤمن بجميع جيشه إلى غمارة فأطاعوا قبيلة بعد قبيلة وأقام عندهم مدة.
وما برح يمشي في الجبال وتاشفين يحاذيه في الصحارى فلم يزل عبد المؤمن كذلك إلى سنة خمس وثلاثين، فتوفي أمير المسلمين علي بن يوسف بمراكش وملك بعده ابنه تاشفين فقوي طمع عبد المؤمن في البلاد إلا أنه لم ينزل الصحراء.
وفي سنة ثمان وثلاثين توجه عبد المؤمن إلى تلمسان فنازلها وضرب خيامه في جبل بأعلاها ونزل تاشفين على الجانب الآخر من البلد وكان بينهم مناوشة فبقوا كذلك إلى سنة تسع وثلاثين فرحل عبد المؤمن عنها إلى جبل تاجرة ووجه جيشا مع عمر الهنتاتي إلى مدينة وهران فهاجمها بغتة وحصل هو وجيشه فيها، فسمع [بذلك عبد المؤمن] فسار إليها، فخرج منها عمر ونزل تاشفين بظاهر وهران على البحر في شهر رمضان سنة تسع