حتى صار الخبز معدوما عندهم وكان يطبخ لهم كل يوم من الحساء ما يكفيهم فكان قوت كل واحد منهم أن يغمس يده في ذلك الحساء ويخرجها فلما علق عليها قنع به ذلك اليوم فاجتمع أعيان أهل تين ملل وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين فبلغ الخبر بذلك المهدي بن تومرت وكان معه إنسان يقال له عبد الله الونشريشي يظهر البله وعدم المعرفة بشيء من القرآن والعلم وبزاقه يجري على صدره وهو كأنه معتوه ومع هذا فالمهدي يقربه ويكرمه ويقول إن لله سرا في هذا الرجل سوف يظهر.
وكان الونشريشي يلزم الاشتغال بالقرآن والعلم يف السر بحيث لا يعلم أحد ذلك منه، فلما كان سنة تسع عشرة [وخمسمائة]، وخاف المهدي من أهل الجبل خرج يوما لصلاة الصبح فرأى إلى جانب محرابه إنسانا حسن الثياب طيب الريح فأظهر أنه لا يعرفه وقال من هذا فقال أنا أبو عبد الله الونشريشي! فقال له المهدي: إن أمرك لعجب! ثم صلى، فلما فرغ من صلاته نادى في الناس فحضروا فقال إن هذا الرجل يزعم أنه الونشريشي، فانظروه وحققوا أمره فلما أضاء النهار عرفوه، فقال له المهدي ما قصتك؟ قال إنني أتاني الليلة ملك من السماء فغسل قلبي وعلمني القرآن والموطأ وغيره من العلوم والأحاديث. فبكى المهدي بحضرة الناس ثم قال له نحن نمتحنك فقال افعل.
وابتدأ يقرأ القرآن قراءة حسنة من أي موضع سئل وكذلك الموطأ وغيره من كتب الفقه والأصول فعجب الناس من ذلك واستعظموه.
ثم قال لهم إن الله تعالى قد أعطاني نورا أعرف به أهل الجنة من أهل