ولما وصل طغتكين إلى دمشق بعد الهزيمة أرسل إليه ملك القدس يقول له لا تظن أنني أنقض الهدنة للذي تم عليك من الهزيمة فالملوك ينالهم أكثر مما نالك ثم تعود أمورهم إلى الانتظام والاستقامة؛ وكان طغتكين خائفا أن يقصد بعد هذه الكسرة فينال من بلده كل ما أراد.
ذكر صلح السنة والشيعة ببغداد في هذه السنة في شعبان اصطلح عامة بغداد السنة والشيعة، وكان الشر منهم على طول الزمان وقد اجتهد الخلفاء والسلاطين والشحن في إصلاح الحال فتعذر عليهم ذلك إلى أن أذن الله تعالى فيه وكان بغير واسطة.
وكان السبب في ذلك أن السلطان محمدا لما قتل ملك الغرب صدقة كما ذكرناه خاف الشيعة ببغداد أهل الكرخ وغيرهم لأن صدقة كان يتشيع هو وأهل بيته فشنع أهل السنة عليهم بأنهم نالهم غم وهم لقتله فخاف الشيعة وأغضوا على سماع هذا ولم يزالوا خائفين إلى شعبان فلما دخل شعبان تجهز السنة لزيارة قبر مصعب بن الزبير وكانوا قد تركوا ذلك سنين كثيرة ومنعوا منه لتنقطع الفتن الحادثة بسببه.
فلما تجهزوا للمسير اتفقوا على أن يجعلوا طريقهم في الكرخ فأظهروا ذلك فاتفق رأي أهل الكرخ على ترك معارضتهم، وأنهم لا يمنعونهم فصار السنة تسير أهل كل محلة منفردين ومعهم من الزينة والسلاح شيء كثير وجاء أهل باب المراتب ومعهم فيل قد عمل من خشب وعليه الرجال بالسلاح وقصدوا جميعهم الكرخ ليعبروا فيه فاستقبلهم أهله بالبخور