وذكر أعداء أبي الصقر أنه أراد أن يتقرب إلى المعتمد بمال الموفق وأسبابه وأشاعوا ذلك عنه عند أصحاب الموفق فنهب دار أبي الصقر حتى أخرجت نساؤه منها حفاة بغير أزر ونهب ما يجاوره من الدور وكسرت أبواب السجون وخرج من كان فيها.
وخلع الموفق على ابنه أبي العباس وعلى أبي الصقر وركبا جميعا، فمضى أبو العباس إلى منزله وأبو الصقر إلى منزله وقد نهب، فطلب حصيرة يقعد عليها عارية؛ فولى أبو العباس غلامه بدرا الشرطة واستخلف محمد بن غانم بن الشاه على الجانب الشرقي.
ومات الموفق يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر من هذه السنة ودفن ليلة الخميس بالرصافة وجلس أبو العباس للتعزية.
وكان الموفق عادلا حسن السيرة يجلس للمظالم وعنده القضاة وغيرهم فينتصف الناس بعضهم من بعض وكان عالما بالأدب والنسب والفقه وسياسة الملك وغير ذلك. قال يوما إن حدي عبد الله بن العباس قال إن الذباب ليقع على جليسي فيؤذيني ذلك وهذا نهاية الكرم وأنا والله أرى جلسائي بالعين التي أرى بها إخواني، والله لو تهيأ لي أن أغير أسماءهم لنقلتها من الجلساء إلى الأصدقاء والإخوان.
وقال يحيى بن علي دعا الموفق يوما جلساءه فسبقتهم وحدي فلما رآني وحدي أنشد يقول:
(وأستصحب الأصحاب حتى إذا دنوا * وملوا من الإدلاج جئتكم وحدي)