أما بعد فمن المعلوم أن علم الدراية في معرفة ما يتعلق بسند الرواية ومتنها من مهمات العلوم الدينية وأهمها وضروريات المعارف النظرية وأعمها وكذا علم الرجال وجملة من المسائل المندرجة في علم الأصول مما يستحق أن يتسلسل في هذا السلسال فإن الاستدلال منحصر في العقل والنقل بالضرورة وليس للعقل مسرح في الشرع بالبديهة فلا يكاد ينتظم حكم من الأحكام الفرعية وكذا الأصول النظرية إلا بالمراجعة إلى النقل من الكتاب والسنة.
ولها مقدمات وقواعد وأحكام وضوابط جرت العادة بذكر طرف منها في الأصول وآخر في علم الدراية وآخر في علم الرجال وبقيت جملة منها في جانب الإجمال وقالب الإهمال ومشايخ هذا الفن أيضا شكر الله مساعيهم - مع بذل جهدهم واستفراغ وسعهم - أتوا بما تأتى شططا فذكروا في كل باب نمطا وثبطوا عن الاستقصاء فيها ثبطا فإن ما أفادوه خلاصة مما يليق بالمقام من منهج المقال وما أجادوه فهو نقد مما انتقدوه في نقد الرجال وما بسطوه ونشطوه فهرست هذه التفاصيل من منتهى المقال إلا أن كتاب منتهى المقال في علم الرجال مما ألفه الشيخ العالم والفاضل الكامل والبارع الورع والحبر المطلع مهبط عناية الله الأزلي محمد بن إسماعيل المدعو ب " أبى على " في هذه الأعصار المتأخرة من حدود المائة الثانية عشر من الهجرة - جزاه الله عن العلماء أفضل جزاء من أتى بالحسنة - كتاب شاف في علم الرجال وجامع واف عن الرجوع إلى ما يحتاج إليه في هذا المجال لم يعمل مثله في الزبر وإنما هو مصداق للمثل السائر " كم ترك الأول للآخر " قد احتوى على فوائد لم تذكر في الدفاتر وخرائد (1) لم تنظر في النظائر.
ولما أردت أنا أن أجمع في هذا الباب كتابا جامعا ومجموعا نافعا كان مغنيا عن المراجعة إلى غيره من الكتب والدفاتر عمدت إليه واشتبهت إليه.