ومنهم من قال بأن كل من قاتل عليا عالما منهم، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة، لخروجهم عن الإمام الحق.
ومنهم من قال برد رواية الكل وشهادتهم، لان أحد الفريقين فاسق، وهو غير معلوم ولا معين.
ومنهم من قال بقبول رواية كل واحد منهم وشهادته، إذا انفرد، لان الأصل فيه العدالة، وقد شككنا في فسقه، ولا يقبل ذلك منه مع مخالفة التحقق فسق أحدهما من غير تعيين.
والمختار إنما هو مذهب الجمهور من الأئمة، وذلك بما تحقق من الأدلة الدالة على عدالتهم ونزاهتهم وتخييرهم على من بعدهم. فمن ذلك قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (2) البقرة: 143) أي عدولا. وقوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (3) آل عمر ان: 110) وهو خطاب مع الصحابة الموجودين في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم والاهتداء بغير عدل محال. وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا واختيار الله تعالى لا يكون لمن ليس بعدل. ومنها ما ظهر واشتهر بالنقل المتواتر الذي لا مراء فيه من مناصرتهم للرسول، والهجرة إليه، والجهاد بين يديه، والمحافظة على أمور الدين، وإقامة القوانين، والتشدد في امتثال أوامر الشرع ونواهيه، والقيام بحدوده ومراسيمه، حتى إنهم قتلوا الأهل والأولاد حتى قام الدين واستقام، ولا أدل على العدالة أكثر من ذلك.
وعند ذلك، فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، وإن كان ذلك إنما لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين. وعلى هذا، فإما أن يكون كل مجتهد مصيبا، أو أن المصيب واحد، والآخر مخطئ في اجتهاده.