عنهما، وذلك محال عادة. وبمثل هذا عرفنا كذب من ادعى معارضة القرآن والتنصيص على إمام بعينه، من حيث إنه لو وجد ذلك لشاع وتوفرت الدواعي على نقله. فإن قيل:
العادة إنما تحيل اتفاق الجمع الكثير على كتمان ما جرى بمشهد منهم من الأمور العظيمة، إذا لم يتحقق الداعي إلى الكتمان معارضا لداعي الاظهار، ولا بعد في ذلك، إما لغرض واحد يعم الكل نظرا إلى مصلحة تتعلق بالكل في أمر الولاية وإصلاح المعيشة، أو خوف ورهبة من عدو غالب وملك قاهر، أو لأغراض متعددة، كل غرض لواحد، ويدل على ذلك الوقوع. وهو أن النصارى، مع كثرتهم كثرة تخرج عن الحصر، لم ينقلوا كلام المسيح في المهد، مع أنه من أعجب حادث حدث في الأرض، ومن أعظم ما تتوفر الدواعي على نقله وإشاعته، ونقلوا ما دون ذلك من معجزاته. وأيضا فإن الناس نقلوا أعلام الرسل، ولم ينقلوا أعلام شعيب وغيره من الرسل. وأيضا فإن آحاد المسلمين قد انفردوا بنقل ما تتوفر الدواعي على نقله مع شيوعه فيما بين الصحابة والجمع الكثير، كنقل ما عدا القرآن من معجزاته، كانشقاق القمر، وتسبيح الحصا في يده، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنين الجذع إليه، وتسليم الغزالة عليه، وكدخول مكة عنوة أو صلحا، وتثنية الإقامة وإفرادها وإفراده في الحج، وقرانه، ونكاحه لميمونة وهو حرام، وقبوله لشهادة الأعرابي وحده في هلال رمضان، ورفع اليدين في الصلاة والجهر بالتسمية إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى.