الحجة الرابعة: أنه لو حصل العلم بخبر الواحد بمجرده لوجب تخطئة مخالفه بالاجتهاد وتفسيقه وتبديعه، إن كان ذلك فيما يبدع بمخالفته، ويفسق، ولكان مما يصح معارضته بخبر التواتر، وأن يمتنع التشكيك بما يعارضه كما في خبر التواتر، وكل ذلك خلاف الاجماع.
فإن قيل ما ذكرتموه معارض بالنص، والمعقول، والأثر:
أما النص فقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * نهى عن اتباع غير العلم. وقد أجمعنا على جواز اتباع خبر الواحد في أحكام الشرع، ولزوم العلم به، فلو لم يكن خبر الواحد مفيدا للعلم، لكان الاجماع منعقدا على مخالفة النص، وهو ممتنع.
وأيضا فإن الله تعالى قد ذم على اتباع الظن بقوله تعالى: * (إن يتبعون إلا الظن) * (6) الانعام: 116) وقوله تعالى: * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا، إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (10) يونس: 36) فلو لم يكن خبر الواحد مفيدا للعلم، بل للظن، لكنا مذمومين على اتباعه، وهو خلاف الاجماع وأما من جهة المعقول، فمن وجهين:
الأول أنه، لو لم يكن خبر الواحد مفيدا للعلم، لما أوجبه، وإن كثر العدد إلى حد التواتر، لان ما جاز على الأول جاز على من بعده.
الثاني أنه، لو لم يكن خبره موجبا للعلم، لما أبيح قتل المقر بالقتل على نفسه ولا بشهادة اثنين عليه، ولا وجبت الحدود بأخبار الآحاد، لكون ذلك قاضيا على دليل العقل، وبراءة الذمة.