قولهم إن الصبي والمجنون داخلان تحت الخطاب بأروش الجنايات وقيم المتلفات ليس كذلك. فإنا إن نظرنا إلى تعلق الحق بمالهما، فهو ثابت بخطاب الوضع والاخبار، وهو غير متعلق بالصبي والمجنون، وإن نظرنا إلى وجوب الأداء الثابت بخطاب التكليف، فهو متعلق بفعل وليهما، لا بفعلهما.
وأما صحة صلاة الصبي واختلاف الناس في صحة إسلامه، فلا يدل ذلك على كونه داخلا تحت خطاب التكليف بالصلاة والاسلام.
أما صحة الصلاة، فمعناها انعقادها سببا لثوابه، وسقوط الخطاب عنه بها إذا صلى في أول الوقت، وبلغ في آخره، لا بمعنى أنه امتثل أمر الشارع، حتى يكون داخلا تحت خطاب التكليف من الشارع، بل إن كان ولا بد، فهو داخل تحت خطاب الولي لفهمه بخطابه، دون خطاب الشرع. وعلى هذا، يكون الجواب عن صحة إسلامه عند من يقول بذلك، وبتقدير امتناع تخصيص الصبي بدليل العقل مع تسليم جواز التخصيص به في الجملة، كما تقدم بيانه، فغير مضر ولا قادح، فإنه ليس المقصود تحقيق ذلك في آحاد الصور.
وكما أن دليل العقل قد يكون مخصصا للعموم، فكذلك دليل الحس، وذلك كما في قوله تعالى * (تدمر كل شئ) * (46) الأحقاف: 25) مع خروج السماوات والأرض عن ذلك حسا، وكذلك قوله تعالى * (ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) * (51) الذاريات: 42) وقد أتت على الأرض والجبال، ولم تجعلها رميما، بدلالة الحس، فكان الحس هو الدال على أن ما خرج عن عموم اللفظ لم يكن مرادا للمتكلم، فكان مخصصا.