فإن قيل: نحن لا ننكر أن الخطاب الخاص بالواحد لا يكون خطابا لغيره مطلقا، بل المدعى أن من كان مقدما على قوم، وقد عقدت له الولاية والامارة عليهم، وجعل له منصب الاقتداء به، فإنه إذا قيل له اركب لمناجزة العدو، وشن الغارة عليه وعلى بلاده فإن أهل اللغة يعدون ذلك أمرا لاتباعه وأصحابه.
وكذلك إذا أخبر عنه بأنه قد فتح البلد الفلاني، وكسر العدو، فإنه يكون إخبارا عن أتباعه أيضا. والنبي، صلى الله عليه وسلم، ممن قد ثبت كونه قدوة للأمة ومتبعا لهم، فأمره ونهيه يكون أمرا ونهيا لامته، إلا ما دل الدليل فيه على الفرق. ويدل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * (65) الطلاق: 1) ولم يقل إذا طلقت النساء فطلقهن وذلك يدل على أن خطابه خطاب لامته وأيضا قوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا، زوجناكها، لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) * (33) الأحزاب: 37) أخبره أنه إنما أباحه ذلك ليكون ذلك مباحا للأمة، ولو كانت الإباحة خاصة به، لما انتفى الحرج عن الأمة.
وأيضا فإنه قد ورد الخطاب بتخصيصه، عليه السلام، بأحكام دون أمته كقوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * (33) الأحزاب: 50) إلى قوله: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * (33) الأحزاب: 50) وكقوله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * (17) الاسراء: 79) ولو لم يكن الخطاب المطلق له خطابا لامته، بل خاصا به، لما احتيج إلى بيان التخصيص به هاهنا.
وما ذكرتموه من احتمال التفاوت في المصلحة والمفسدة، فغير قادح مع ظهور المشاركة في الخطاب، كما تقرر. ولهذا، جاز تكليف الكل مع هذا الاحتمال، لظهور الخطاب، وجاز تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع عند ظن الاشتراك في الداعي مع احتمال التفاوت بين الأصل والفرع في المصلحة والمفسدة.