ومنهم أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، فإنه قال في نوادره: * (العشقة نبت يخضر ثم يصفر ثم يهيج ومنه سمي العاشق عاشقا) * أو ما علم هذا الرجل أن كل نبت في الأرض فهذه صفته، فهلا يسمى العاشق باقلا مشتقا من البقل الذي يخضر، ثم يصفر، ثم يهيج، فإن ركب هذا الطريق اتسع له جدا، وأخرجه ذلك إلى بعض خرق من أدركناه من أهل الجنون، وأدخله في باب المضاحك والمطايب والمجون.
والذي نعتقد ونقول ونقطع على صحته، أن الاشتقاق كله باطل حاشا أسماء الفاعلين من أفعالهم فقط، وأسماء الموصوفين المأخوذة من صفاتهم الجسمانية والنفسانية، وهذا أيضا لا ندري هل أخذت الأسماء من الصفات، أو أخذت الصفات من الأسماء؟ إلا أننا نوقن أن أحدهما أخذ من صاحبه، مثل ضارب من الضرب، ومثل آكل من الاكل، ومثل أبيض من البياض وغضبان من الغضب، وما أشبه ذلك.
وأما سائر الأسماء الواقعة على الأجناس والأنواع كلها، فلا اشتقاق لها أصلا وليس بعضها قبل بعض، بل كلها معا، وقد كنت أجري في هذا مع شيخنا أبي عبده حسان بن مالك رحمه الله، وكان أذكر من لقينا للغة مع شدة عنايته بها، وثقته وتحريه في نقلها، فكان يقول لي: قد قال بهذا الذي تذهب إليه كثير من أهل اللغة قديم وسماه لي، وشككت الآن في اسمه لبعد العهد وأظن أنه نفطويه.
وكيف يسوغ لذي عقل أن يسمي الملائكة جنا، وهو يسمع قول الله عز وجل * (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) * وما علمنا مسلما يقول: إن أحدا من الملائكة يدخل جهنم، وقد قال تعالى: * (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) * أفتراه تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يستعيذ من شر الملائكة؟ هذا ما لا يظنه ذو عقل، وقد اعترض على بعض من كلمني في هذا المعنى بقوله تعالى: * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * وقال: إنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الرحمن.
قال علي: وهذا ليس بشئ، لأنه قد روي عن ابن عباس أن قريشا كانت تقول: سروات الجن هم بنات الرحمن، فإنما عنى تعالى الجن على الحقيقة في هذا