عمر وعثمان فلم يكن فيهم أحد يعلمهم زكاة الفطر التي يعلمها النساء والصبيان في كل مدينة وكل قرية لتكررها في كل عام في العيد إثر رمضان، حتى بقوا المدة المذكورة ليس فيهم أحد علم ذلك، وأهل المدينة يعرفونها، فكيف يكتم مثل هذا والوفود من البصرة يفدون على الخليفتين بالمدينة؟.
وتالله إن هذه لمصيبة على عمر وعثمان وأهل المدينة أعظم منها على أهل البصرة إذ تعمدوا ترك تعليمهم أو ضيعوا ذلك وكل ذلك باطل لا يمكن البتة، وكذب لا خفاء به، ومحال ممتنع لما ذكرنا.
وثالثها: أن المحتجين بهذا الخبر - وهم المقلدون لمالك - أول مبطل لحكم هذا الخبر، فلا يرون ما فيه من نصف صاع قمح مكان صاع شعير في زكاة الفطر، أفليس من الرزايا والفضائح والبلايا والقبائح من يموه بخبر يحتج به فيما ليس فيه منه شئ على من لا يراه حجة لو صح؟ لأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المحتج به أول مخالف لما احتج به، وأول مبطل ومكذب لما فيه، مما لو صح ذلك الخبر لما حل لاحد خلافه، لأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، نعوذ بالله العظيم من مثل هذا المقال في الدنيا والآخرة.
وإذ قد صححوا ههنا رواية الحسن عن ابن عباس فقد: نا أحمد بن محمد الطلمنكي، نا ابن مفرج، نا محمد بن أيوب الرقي، نا أحمد بن عروة بن عبد الخالق البزار نا محمد بن المثنى، نا يزيد بن هارون، نا حميد الطويل، عن الحسن البصري، قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة فقال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد، صاع من تمر أو صاع من شعير أو بنصف صاع من بر ومن أتى بدقيق قبل منه، ومن أتى بسويق قبل منه. وهم أول عاص لما في هذا الخبر، فيا للناس، مرة يصححون رواية الحسن عن ابن عباس إذا ظنوا أنهم يموهون به في إثبات باطل دعواهم، ومرة يبطلونهم ويكذبونها إذا خالفت رأي مالك فيزورون شاهدهم ويكذبون أنفسهم، ألا ذلك هو الضلال المبين.
قال أبو محمد: وهذا خبر رواه ابن سيرين وأبو رجاء عن ابن عباس وهما حاضران لولايته فلم يذكروا فيه ما ذكر ابن عباس من القول: يا أهل المدينة قوموا علموا إخوانكم، فصح أنها زيادة من لا خير فيه.