أو يكون إجماع الناس على شئ منصوص فهذا قولنا هذه قسمة ضرورية لا محيد عنها أصلا، وإذ هو كما ذكرنا فاتباع النص فرض، سواء أجمع الناس عليه أو اختلفوا فيه، لا يزيد النص مرتبة في وجوب الاتباع أن يجمع الناس عليه، ولا يوهن وجوب اتباع اختلاف الناس فيه، بل الحق حق وإن اختلف فيه، وإن الباطل باطل وإن كثر القائلون به، ولولا صحة النص عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته لا يزال منهم من يقوم بالحق ويقول به - فبطل بذلك أن يجمعوا على باطل - لقلنا: والباطل باطل وإن أجمع عليه، لكن لا سبيل إلى الاجماع على باطل.
قال أبو محمد: فإذا الامر كذلك فإنما علينا صلب أحكام القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ ليس في الدين سواهما أصلا ولا معنى لطلبنا هل أجمع على ذلك الحكم أو هل اختلف فيه لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
فإن قيل: فقد صححتم الاجماع آنفا، ثم توجبون الآن أنه لا معنى له، قلنا:
الاجماع موجود كما الاختلاف موجود، إلا أننا لم يكلفنا الله تعالى معرفة شئ من ذلك، إنما كلفنا اتباع القرآن وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نقله إلينا الامر منا، على ما بينا فقط، ولأن أحكام الدين كلها من القرآن والسنن لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما وحي مثبت في المصحف، وهو القرآن وإما وحي غير مثبت في المصحف، وهو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وقال تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) *.
ثم ينقسم كل ذلك ثلاثة أقسام لا رابع لها، إما شئ نقلته الأمة كلها عصرا بعد عصر، كالايمان والصلوات والصيام ونحو ذلك، وهذا هو الاجماع ليس من هذا القسم شئ لم يجمع عليه، وإما شئ نقل نقل تواتر كافة عن كافة من عندنا كذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ككثير من السنن وقد يجمع على بعض ذلك، وقد يختلف فيه، كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا بجميع الحاضرين من أصحابه، وكدفعه