وقال بعض الشافعيين: إنما يكون إجماعا إذا اشتهر ذلك القول فيهم وانتشر، ولم يعرف له منهم مخالف، وأما إذا لم يشتهر ولا انتشر فليس إجماعا، بل خلافه جائز.
ثم ههنا أقوال هي داخلة في باب الهوس إن سلم أصحابها من القصد إلى التلاعب بالدين، كقول بعض الحنفيين: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد، وأن اختيارات الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق راهويه وأبي ثور وداود بن علي وسائر العلماء - شذوذ خرق الاجماع.
وكقول بكر بن العلاء القشيري المالكي: إن بعد سنة مائتين قد استقر الامر، وليس لاحد أن يختار، وكقول إنسان ذكره أبو ثور في رسالة له ورد عليه وكان قوله: إنه ليس لأحد أن يخرج عن اختيارات الأوزاعي وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح . قال أبو محمد: أصناف الحمق أكثر من أصناف التمر، ويكفي في بطلان كل قول من الدين لم يأت به قرآن ولا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * وقوله تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * فصح أنه لا برهان في الدين إلا ما حده الله تعالى، وأن حدود الله ليست إلا في كلامه، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وأن من لم يأت في قوله في الدين ببرهان - من القرآن وأن حكم مستند ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فليس من الصادقين، بل هو كاذب آفك ضال مضل، وبالله تعالى التوفيق، إلا أنه لا بد - بحول الله تعالى - من بيان شبه هذه الأقوال الفاسدة، التي قد عظم خطأ أهلها وكثر اتباعها، لعل الله تعالى يهدي بهداه لنا أحدا - فيكون خيرا لنا من حمر النعم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل.
واعلموا أن جميع هذه الفرق متفقة على أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم إجماع صحيح، وقائلون بأن كل ما اشتهر فيهم رضي الله عنهم، ولم يقع منهم نكير له، فهو إجماع صحيح، فاعلموا أن إجماع هذه الفرق على ما ذكرنا، حاكم لنا عليهم، وموجب لنا أننا المتبعون للاجماع، وأن مخالفينا كلهم مخالفون للاجماع بإقرارهم، والحمد لله رب العالمين، كما نذكر في الباب المتصل بهذا إن شاء الله تعالى.